الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.وفاة مشرف الدولة وولاية أخيه بهاء الدولة. ثم توفي مشرف الدولة أبو الفوارس سرديك بن عضد الدولة ملك العراق فى منتصف تسع وسبعين وثلاثمائة لثمانية أشهر وسنتين من ملكه ودفن بمشهد علي عليه السلام ولما اشتدت علته بعث ابنه أبا علي إلى بلاد فارس بالخزائن والعدد مع أمه وجواريه في جماعة عظيمة من الأتراك وسأله أصحابه إن يعهد فقال: أنا في شغل عن ذلك فسألوه نيابة أخيه بهاء الدولة ليسكن الناس إلى أن يستفيق من مرضه فولاه نيابته ولما جلس بهاء الدولة في دست الملك ركب إليه الطائع فعزاه وخلع عليه خلع السلطنة وأقر بهاء الدولة أبا منصور بن صالحان على وزارته..وثوب صمصام الدولة بفارس وأخباره مع أبي علي ابن أخيه مشرف الدولة. قد تقدم لنا أن صمصام الدولة اعتقله أخوه مشرف الدولة بقلعة ورد قرب شيراز من أعمال فارس عندما ملك بغداد سنة ست وسبعين وثلاثمائة فلما مات مشرف الدولة وكان قد بعث ابنه أبا علي إلى فارس ولحقه موت أبيه بالبصرة فبعث ما معه في البحر إلى أرجان وسار إليها في البر مخفا والتف عليه الجند الذين بها وكاتبه العلاء بن الحسن من شيراز بخبر صمصام الدولة فسار إلى شيراز واختلف عليه الجند وهم الديلم بإسلامه إلى صمصام الدولة فتحرك الأتراك وقاتل الديلم أياما ثم سار إلى نسا والأتراك معه فأخذوا ما بها من المال وقتلوا الديلم ونهبوا أموالهم وسلاحهم وسار أبو علي إلى أرجان وبعث الأتراك إلى شيراز فقاتلوا صمصام الدولة والديلم ونهبوا البلد وعادوا إليه بارجان وجاءه رسول عمه بهاء الدولة من بغداد بالمواعيد الجميلة ودس مع رسوله إلى الأتراك واستمالهم فحسنوا لأبي علي المسير إلى عمه بهاء الدولة فسار إليه ولقيه بواسط منتصف ثمانين وثلاثمائة وقد أعد له الكرامة والنزول ثم قبض عليه لأيام وقتله وتجهز للمسير إلى فارس..مسير فخر الدولة صاحب الري وأصفهان وهمذان إلى العراق وعوده. كان الصاحب أبو القاسم إسمعيل بن عباد وزير فخر الدولة بن ركن الدولة يحب العراق ويريد بغداد لما كان بها من الحضارة واستئثار الفضائل فلما توفي مشرف الدولة سلطان بغداد رأى أن الفرصة قد تمكنت فدس إلى فخر الدولة من يغريه بملك بغداد حتى استشاره في ذلك فتلطف في الجواب بأن أحاله على سعادته فقبل إشارته وسار إلى حمدان ووفد عليه بدر بن حسنويه ودبيس بن عفيف الأسدي وشاوروا في المسير فسار الصاحب بن عباد وبدر في المقدمة على الجادة وفخر الدولة على خوزستان ثم ارتاب فخر الدولة بالصاحب بن عباد خشية من ميله مع أولاد عضد الدولة فاستعاده وساروا جميعا إلى الأهواز فملكها فخر الدولة وأساء السيرة في جندها وجنده وحبس عنهم العطاء فتخاذلوا وكان الصاحب منذ اتهمه ورده عن طريقه معرضا عن الأمور ساكتا فلم تستقم الأمور بإعراضه ثم بعث بهاء الدولة عساكره إلى الأهواز فقاتلوهم وزادت دجلة إلى الأهواز وانفتقت أنهارها فتوهم الجند وحسبوها مكيدة فانهزموا وأشار عليه الصاحب بإطلاق الأموال فلم يفعل فانفضت عنه عساكر الأهواز وعاد إلى الري وقبض في طريقه على جماعة من قواد الديلم والري وعادت الأهواز إلى دعوة بهاء الدولة..مسير بهاء الدولة إلى أخيه صمصام الدولة بفارس. ثم سار بهاء الدولة سنة ثمانين وثلاثمائة إلى خوزستان عازما على قصد فارس وخلف ببغداد أبا نصر خواشاده من كبار قواد الديلم ومر بالبصرة فدخلها وسار منها إلى خوزستان وأتاه نعي أخيه أبي ظاهر فجلس لعزائه ودخل أرجان وأخذ جميع ما فيها من الأموال وكانت ألف ألف دينار وثمانية آلاف ألف درهم وهرعت إليه الجنود ففرقت فيهم تلك الأموال كلها ثم بعث مقدمته أبا العلاء بن الفضل إلى النوبندجان فهزموا بها عسكر صمصام الدولة فأعاد صمصام الدولة العساكر مع فولاذ بن ماندان فهزموا أبا العلاء بمراسلة وخديعة من فولاذ كبسه في أثرها فعاد إلى أرجان مهزوما ولحق صمصام الدولة من شيراز بفولاذ ثم ترددت الرسل في الصلح على أن يكون لصمصام الدولة بلاد فارس وأرجان ولبهاء الدولة خوزستان والعراق ويكون لكل منهما أقطاع في بلد صاحبه فتم ذلك بينهما وتحالفا عليه وعاد بهاء الدولة إلى الأهواز وبلغه ما وقع ببغداد من العيارين وبين الشيعة وأهل السنة وكيف نهبت الأموال وخرجت المساكين فأعاد السير إلى بغداد وصلحت الأحوال.
|